الأخلاق
تعريفها ومنزلتها في الإسلام
تعريف الأخلاق:
الأخلاق - كما قرَّرها مجمعاللغة العربيَّة بمصر - هي: قواعد السلوك المقرَّرة في المجتمع.
والأخلاق الإسلاميَّة هي مجموعة الأقوال والأفعال التي يجب أنْ تقوم على أصولٍ وقواعدَ وفضائلَ وآدابٍ مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بعقيدة وشريعة الإسلام من خِلال القرآن الكريم وسنَّة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فالإسلام عقيدة وشريعة وأخلاق، كلٌّ متكامل.
العقيدة أساس، والشريعة بِناء، والأخلاق من العقيدة وتتغَلغَلُ في الشريعة.
منزلة الأخلاق في القرآن والسنة:
تكرَّرت الآيات والأحاديث في مدْح حُسن الخلق في غير موضعٍ؛ كقوله - تعالى -: ﴿ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأعراف: 181]، وقوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 78]، وقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9].
• وقول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مِن أكثر ما يُدخِل الناس الجنَّة تقوى الله وحُسنُ الخُلُق))؛ (رواه الإمام أحمد في المسند).
• وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسَنُهم أخلاقًا))؛ (رواه الإمام أحمد).
• وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ العبد ليُدرِك بحسن خلقه درجة الصائم القائم))؛ (رواه الإمام أحمد).
• وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنما بُعِثتُ لأتمِّم مكارم الأخلاق))؛ (رواه الإمام مالك في الموطأ).
• وفي حديث أم المؤمنين عائشة - رضِي الله عنها -: "كان خلقه القرآن"؛ (صحيح مسلم).
أي: كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - متمسِّكًا به وبآدابه وأوامره ونَواهِيه، وما يشتَمِل عليه من المكارم والمحاسن.
والإسلام الذي جاء ليُتمَّ مكارم الأخلاق للإنسان، تميَّز اهتمامُه بهذا الأمر إلى حَدِّ أنْ فُسر الإسلام على أنَّه الخلق في قوله - تعالى -: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، قال ابن عبَّاس: دِين عظيم؛ أي: الإسلام.
ويتَّضح ذلك من الحقائق المهمَّة الآتية:
1- الصِّلة الوثيقة بين الإيمان عقيدةً والأخلاق سلوكًا؛ فالأخلاق علامةٌ على الإيمان الكامل، كلَّما زاد حسن الخلق ارتَفعتْ درجة المؤمن؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أقرَبُكم منِّي مجلسًا أحاسِنُكم أخلاقًا))، وقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، وفي الحديث ((ما آمَن بي مَن باتَ شَبعان وجارُه جائع))؛ (متفق عليه؛ أي: رواه البخاري ومسلم).
2- العبادات ذات أثرٍ أخلاقي لا بُدَّ من تحقُّقه في حياة الجماعة، وهذه بعض الأمثلة:
• ﴿ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، فهي تنهى عن كلِّ فحشاء ومنكر؛ من السَّرِقة، والزنا، وشُرب الخمر، وغيرها.
• ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103]، وهي أيضًا طهارةٌ للنفس وتزكيةٌ لها من خُلُقِ الشحِّ والبخْل.
• ﴿ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197]، وهي تمنع من القول الفاحش وأفعال الفِسق، والكلام الذي لا فائدةَ منه إلاَّ النِّزاع والتناحُر والتعصُّب، وبصفة خاصَّة في الحج.
3- الأخلاق شرطٌ لصحَّة المعاملات؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 29] يكون عن طِيب نفسٍ وخاطرٍ، دون مُقامَرة أو استِغلال في التعامُل بالأموال، ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ﴾ [المطففين: 1]، ((مَن غشَّنا فليس منَّا))؛ (رواه مسلم)، وعند التعامُل في الموزونات الالتزام بالكيل العادل وعدم الغشِّ في أيِّ أمرٍ من الأمور.
4- الحدود في الإسلام زَواجِر عن جَرائِم خُلُقيَّة (حد القتل - السرقة - الزنا)، ويبيِّن حثَّ الإسلام على الأخلاق ما قرَّرَه من حُدود لحماية الفضيلة ومكارم الأخلاق، ويُدرِك المتأمِّل لذلك أنَّ الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاق، كلٌّ متكامل.
• • • •
العمل
تعريفه ومنزلته في الإسلام
• تعريف العمل: العمل هو كلُّ جُهدٍ مشروع: مادي، أو معنوي، أو مُؤلَّف منهما معًا.
ويدلُّ على العملِ الجسميِّ أو اليدويِّ حديث: ((ما أكَلَ أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أنْ يأكُل من عمل يده، وإنَّ نبيَّ الله داودَ - عليه السلام - كان يأكُل من عمل يده))؛ رواه البخاري.
واستعمل لفظ العمل أيضًا للولايات؛ أي: لوظائف الدولة، ومن هذا المعنى الحديث القائل: ((مَن استَعمَلناه على عملٍ فرَزَقناه رِزقًا، فما أخَذ بعد ذلك فهو غلولٌ))؛ رواه أبو داود.
وقد اعتَبَر الإسلام جميعَ الأعمال النافعة - من أقلِّها شأنًا كحفر الأرض، إلى أعظمها كرياسة الدولة - داخلةً كلها تحت عنوان "العمل"، على تفاوُتٍ بينها في النَّوع والمقدرة المؤهلة لها، ولفظ العمل في التفكير الإسلامي لا يقتَصِر على عمل العامل الأجير لربِّ عملٍ يُؤتِيه أجره عن جُهدِه.
وهذا - بلا شَكٍّ - جانبٌ مهمٌّ من جوانب العمل، ويُسمَّى العامل بهذا المعنى في الإسلام أجيرًا خاصًّا.
ولكنَّ تعبير العمل في الإسلام يمتدُّ فوق ذلك إلى النشاط الاقتصادي للإنسان في كلِّ صوره وأوضاعه في حين يمتَزِج بملكيَّة رأس المال؛ أي: إنَّه يشمَلُ كذلك عنصر التنظيم، فصاحب المصنع يعمَلُ عندما يُدِير مصنعه، وصاحب المزرعة يعمَلُ عندما يُدِير مزرعته، وصاحب المتْجَر يعمَلُ عندما يُدِير مَتجَره.
وعلى هذا يكونُ المجتمع في نظَر الإسلام مُؤلَّفًا من مجموع العامِلين، وكلُّهم يُسمَّون عمالاً، وهذا المفهوم يُؤدِّي إلى نتائج اجتماعيَّة، منها:
1- أنَّ الأصل تَساوِي البشر من حيث كونهم عمَّالاً وبشرًا لهم كرامتهم، وإنْ تفاوتَتْ قدراتهم ومَزاياهم ودائرة عملهم سعةً وضيقًا، وأجورهم أو رواتبهم، فلا امتيازَ لفئةٍ على أخرى.
2- أنَّ العمَّال ليسوا فريقًا من المجتمع، بل هم جميع العامِلين في المجتمع.
منزله العمل في القُرآن والسنَّة:
العمل ضروريٌّ لعِمارة الكون، وإصْلاح الأرض، وقَضاء حاجات المجتمع، وتلبية حاجات صاحِبه، فهو حقٌّ للفرد كما هو حقٌّ للجماعة، وهو في الوقت نفسه واجبٌ على الفرْد والجماعة.
وحفَل القُرآن الكريم بكثيرٍ من الآيات التي تدعو إلى العمل، وتبيِّن أهميَّته في حياة الإنسان، وتربو على مائتين وخمسين آية، نُورِد قبسًا منها فيما يأتي:
1- قوله - تعالى -: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105]، والعمل في هذه الآية يشمَلُ العمل الدنيوي والعمل الأخروي.
2- وقوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10]، فهذه الآية تدعو الإنسان إلى طلب العمل، وبذْل الجُهدِ، والابتغاء من فضْل الله ورزقِه.
3- قوله - تبارك وتعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15] فتسخير الأرض للإنسان، واستخلاف الله له فيها، يَقضِيان انتفاع هذا الإنسان بما خلَقَ الله في الكون، واستِثمار ما في الأرض من خيرات وثمرات، ولا يتأتَّى ذلك إلاَّ بالعمل وبذْل الجُهدِ.
4- قوله - سبحانه -: ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ﴾ [يس: 33 - 35].
5- قوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [سبأ: 10 - 11].
بل إنَّ الله - تعالى - قدَّم طلبَ الرِّزق بالعمل على الجهاد في سبيل الله في قوله - تعالى -: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ﴾ [المزمل: 20].
وقد فاضَت السنَّة النبويَّة بكثيرٍ من الأحاديث التي تدعو إلى العمل وتحثُّ علية، وتُبيِّن فضلَه، وثواب إتقانه، وما أعدَّ الله - تعالى - للعامل من منزلةٍ رفيعةٍ، ومكانةٍ سامية في الدُّنيا والآخِرة، وهذه نماذِجُ من تلك الأحاديث:
1- قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما أكَلَ أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أنْ يأكُلَ من عمل يده، وإنَّ نبيَّ الله داود - عليه السلام - كان يأكُل من عمل يده))؛ رواه البخاري.
وفي روايةٍ أخرى: ((ما كسَب الرجلُ كسبًا أطيب من عمل يَدِه))؛ رواه ابن ماجه.
2- قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أمسى كالاًّ من عمل يده، أمسى مَغفُورًا له))؛ رواه الطبراني في الصغير.
3- قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((على كلِّ مسلمٍ صدقةٌ)) قالوا: فإنْ لم يجد؟ قال: ((فيعمَلُ بيديه فينفَعُ نفسَه ويتصدَّق))، قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: ((فيُعِين ذا الحاجة الملهوف))، قالوا: فإنْ لم يفعل؟ قال: ((فليَأمُر بالخير - أو قال: بالمعروف))، قالوا: فإنْ لم يفعل؟ قال: ((فليُمسِك عن الشرِّ؛ فإنَّه له صدقه))؛ (رواه البخاري).
4- قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله يحبُّ من العبد إذا عمل عملاً أنْ يُتقِنه))؛ (الألباني في السلسة الصحيحة).
• • • •
أخلاقيات العمل في الإسلام
ترتَكِز أخلاق العمل في الإسلام على عنصرين:
1- الأمانة: مفهوم الأمانة في الإسلام شاملٌ ومتعدِّد الجوانب، فهو يشمَلُ: أمانة المال، والجُهد، والوقت، والفكر، والسلوك، لقد عُرِضت الأمانةُ على السَّموات والأرض والجبال فأبَيْن إنْ يحمِلنَها وأشفَقنَ منها وحمَلَها الإنسان، كما أشارَ إلى ذلك القرآنُ الكريم؛ لذا فإنَّ الأمانة لا تتحقَّق إلاَّ بخشية الله، وإدراكِ عظم المسؤوليَّة عند تَولِّي الوظيفة العامَّة، ولا يكتَفِي المسؤول عند اختِياره للعامِلِين بميكانيكيَّة التعيين والاختِيار فقط، وإنما يستَوجِب الأمر بذْل العناية والحِرص، ولو أدَّى ذلك إلى إغضاب الآخَرين.
2- القوة: أي: الكفاءة على إنجاز العمل المُراد القِيام به، ولقد رُبِطت القوَّة بالقدرة كما حدَّدها الإمام ابن تيميَّة بقوله: "والقوة في كلِّ ولاية بحسبها، والقوَّة في إمارة الحرب تَرجِع إلى شجاعة القلب، وإلى الخِبرة في الحروب والمُخادعة فيها، فإنَّ الحرب خُدعَة، وإلى القُدرة على أنواع القتال، والقوَّة في الحكم بين الناس تَرجِع إلى العلم بالعدل الذي دَلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة، وإلى القُدرة على تنفيذ الأحكام".
:D